ما يتميز به مصحف إفريقيا

/ خصوصية الطباعة القرآنية

لما كانت الطباعة القرآنية في حد ذاتها منظومة فنية لم يسبق التعاطي معها إلا في مطابعتُعُد على أصابع اليد الواحدة في كل العالم الإسلامي ، كانت الصفحة بيضاء في مجال فكرة إنشاء مؤسسة طباعية قرآنية في إفريقيا فيما يتعلَّق بوضع المعايير والأدوات الفنية المناسبة لطباعة مصحف يتوافق في مواصفاته الفنية والعلمية مع ما تتطلبه القارة الإفريقية من خصوصيات بيئية وثقافية وفقهية ، ثم من قبل كل ذلك تم إقرار رسالة دار مصحف إفريقيا  لتكون معنية في المقام الأول بطباعة ونشر المصحف الشريف وتوزيعه في إفريقيا بحسب المؤشرات الناتجة عن الدراسات الأولية التي تُحددها إحتياجات المسلمين في إفريقيا ، ثم إضافة أهداف أخرى تتعلَّق بنشر المصحف عبر الوسائط الإلكترونية و الوسائل الإعلامية المسموعة والمقروءة  تعميقاً لإيجابيات الدور الدعوي الإسلامي الذي ظل حُلماً لأهل إفريقيا منذ عقود من الزمان .

والطباعة القرآنية هي إضافة آلية علمية لمنظومة العمل الطباعي متعلِّقة بتحقيق الشروط الشرعية والعلمية لمحتويات الشكل والمضمون في النص القرآني ، وتتلخص أهدافها في إيصال المصحف الشريف إلى المُتلقي خالٍ من العيوب النصية والتحريفات وإختلاط الروايات وذلك عبر عدة خطوات أغلبها تدور في فلك جودة النص القرآني وشرعيته ومطابقته للرواية وخلوِّه من الشوائب التي تُحدثها البيئة التشغيلية وحركة الأيدي الفنية أثناء التنفيذ .

ومن مميَّزات الطباعة القرآنية بعد إحتوائها على السِمات والشروط الفنية التي يتطلبها العمل الطباعي كصناعة متعارف عليها ، بأنها تعمل على  ترتيب وتحقيق إجراءات حماية النص القرآني عبر ما يمكن تسميته  بمنظومة الإجراءات العلمية التي تشرف على صحة النص القرآني وتطابقه مع الطلب والحاجة التي من أجلها تتم الطباعة ، وتمثل الإدارة العلمية في دار مصحف إفريقيا على المستوى الهيكلي الجهة المُكلفة والمسئولة عن تحقيق الأهداف السابقة والمتعلِّقة بالنص القرآني ، حيث يقف على هذه الإدارة مجموعة من المتخصصين في علوم القرءات والروايات القرآنية ، يبدأ دورهم من مرحلة إعداد الرواية ومراجعة رسمها وتأكيد صحتها ، ثم إجازتها ، ثم يمتد هذا الدور ليشمل الرقابة على النص القرآني أثناء مراحل التشغيل الطباعي لحمايته من التغييرات والتشوهات التي تخُلُ بقواعد صحته نتاجاً لأسباب فنية قد تحدث أثناء التنفيذ ، وهي أيضاً أي الإدارة العلمية مسئولة عن تطوير عمليات الإعداد القرآني الطباعي بتحقيق البحوث والدراسات الداعمة لهذا المنحى في الإطار العلمي لطباعة القرآن الكريم.

وبذلك يبرز الإختلاف بين المصاحف التجارية الموجودة في الأسواق وبين مصحف دار مصحف إفريقيا ، فهو يتميَّز بالإعداد العلمي المتخصِّص الذي يُتيح التعديل والتغيير والتحسين المستمر في كل طبعة كلما إحتاج الأمر إلى ذلك ، وهو في ذات الوقت مُراقب ( كنص ) وليس كطبعة متكاملة أثناء التشغيل بما يتيح أيضاً التعرف على الأسباب والأحوال التي يتعرَّض فيها النص القرآني فنياً للضرر ومن ثم محاولة تلافيها أو على الأقل إكتشافها في المراحل الأولى ، ثم إن أمر توخي جودة وصحة النص القرآني بأعلى مقاييسها لا يقف عند هذا الحد ، إذ أن مصحف الدار تتم مراجعته مراجعة شخصية مرتين بعد أن يصبح مُنتجاً تاماً ، ولا يتم توريده للمخازن وإعتباره منتجاً تاماً إلا بعد أن يُدمغ بختمي المراجعة الأولى والثانية .

وبهذا تكون الطباعة القرآنية منظومة فنية مُستقلة لا تتوفر أدواتها لدى كافة المطابع التجارية ، لعدم إحتوائها على متخصصين يتعاملون مع النص الطباعي فقط ويقومون في ذات الوقت بنقده علمياً وفنياً وفحصه وإجازته ثم مراقبته أثناء الطباعة  ، فالطباعة التجارية تتعامل مع المطبوعة كوحدة متكاملة تشمل القياسات والمواصفات المطلوبة والنصوص والصور والألوان وفرعيات التصميم المصاحبة ، كما أن إضافة البُعد العلمي لطباعة المصحف الشريف يُمثل عاملاً أضافياً يؤثِّر على تكلفة إنتاجه نسبةً لعدد ونوعية الكوادر التي تعمل في ذلك وندرة تخصصاتهم ، هذا فضلاً عن تعدَّد مراحل الإعداد والإجازة والمراقبة ، يُضاف إلى كل ذلك أن عمليات الرقابة على النص القرآني أثناء الطباعة التي تضطلع بها الإدارة العلمية تعتبر أكبر وأهم موجهات إرتفاع التالف التشغيلي لعمليات الطباعة بما يتضافر إيجاباً مع أهداف الجودة المنشودة عبر آلية تحييد التالف .

إستطاعت الإدارة العلمية في دار مصحف إفريقيا وبعد عشر سنوات من بداية التشغيل أن تحقق سقفاً معقولاً في مجال إنجاز أهدافها المتعلِّقة بتطوير وتفعيل النشاط العلمي داخل منظومة الطباعة القرآنية وذلك عبر إنجازها وإجازتها لرواية الدوري وحفص ووّرش وقالون ، وكذلك عبر إضطلاعها وإشرافها على طباعة جزء عم بلغات إفريقية محلية مُتعدِّدة منها الفولاني والهوسا والصوصو والسواحيلية ، وما زالت هناك الكثير من الأهداف التي تعمل عليها منظومة الطباعة القرآنية عبر الإدارة العلمية في دار مصحف إفريقيا أهمها مهمة البحوث والدراسات القرآنية ، فضلاً عن مُخطَّطات التوسع في مجال تحقيق وطباعة التراجم القرآنية للغات إفريقية وعالمية  تشتمل على المحتوى الكامل والجزئي لنص المصحف الشريف ، هذا فضلاً عن مهمة الإنتاج الإعلامي القرآني للمصحف الشريف بوسائطه المُتعدِّدة والمُتجدِّدة .