دار مصحف افريقيا
بقلم عبده مصطفى داؤد
اسم عظيم لدار عظيمة استمدت عظمتها من خدمتها لكتاب الله الذي أنزله الله هدى و رحمة للعالمين ليخرجهم به من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان يقول تعالى ( الم تلك آيات الكتاب الحكيم * هدى و رحمة للعالمين ) سورة لقمان ( من الايه ١ الى الآية ٣ ) ، ( الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم الى صراط العزيز الحميد ) سورة إبراهيم (الايه الاولى) ، ( طس تلك آيات القرآن المبين * هدى و بشرى للمؤمنين ) سورة النمل (الآية ١ الى الآية ٢ ) . تلك هي دار مصحف إفريقيا التي تأسست في العام 1414 ه الموافق للعام 1994 م كمؤسسة ذات شخصية اعتبارية تتخذ من الخرطوم مقرا لها و قد جاء تأسيسها استشعارا لعظم المسؤولية الملقاة على عاتق المقتدرين من المسلمين تجاه إخوتهم المسلمين الأفارقة و قد أسست هذه الدار لتحقق جملة من الأهداف أهمها :
- طباعة المصحف الشريف بمختلف الروايات السائدة و جعله في متناول أيدي المسلمين و الدعاة و المؤسسات التربوية و المنظمات العاملة في مجال الدعوة الإسلامية
- توفير التسجيلات الصوتية للقرآن الكريم بالروايات السائدة
- طباعة ونشر الكتب الإسلامية و نشر ترجمات معاني القرآن الكريم
- إنشاء مطابع متخصصة في طباعة المصحف الشريف
- تشجيع البحث العلمي المتعلق بالقرآن الكريم
و تحقيقا لهذه الأهداف السامية و الأغراض النبيلة فإن الدار تحتاج إلى موارد مالية كبيرة تحصل على بعضها الآن من ريع الأوقاف الخاصة بها و من الهبات و التبرعات و ريع الاستثمارات و الناتج من التصرف في ممتلكاتها
هنا سؤال يطرح نفسه : لماذا دار خاصة لطباعة المصحف لإفريقيا ؟؟ إفريقيا قارة لا يزال معظم شعوبها على الفطرة التي فطر الله الناس عليها يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ” كل مولود يولد على الفطرة فأبواه ينصرانه أو يهودانه أو يمجسانه ” و هم على فطرتهم هذه أقرب إلى الإسلام من أي دين آخر و قد أدرك المستعمر هذه الحقيقة لذلك بذل كل ما في وسعه لتنصير أو تهويد الشعوب الأفريقية فاهتم بترجمة و ننشر الإنجيل بأكثر من ستمائة و خمسين لغة و لهجة أفريقية كما عمد إلى إضعاف صلة بعض الشعوب الأفريقية التي كانت تعتمد الحرف العربي لكتابة لغتها ، باللغة و الثقافة العربية كالهوسا الذين كتبوا لغتهم بالحرف العربي قبل أكثر من ستة قرون حتى أصبحت لغة التداول الأولى بين معظم شعوب شرق و غرب و وسط إفريقيا بل تعتبر من اللغات التي أسهمت في نشر الدعوة الإسلامية في إفريقيا فاستبدل المستعمر الحرف العربي بالحرف اللاتيني كما أدخل المفردات الإنجليزية محل المفردات العربية التي كانت تمثل جزءا من مفردات تلك اللغات ففي لغة الهوسا نجد أن ما بين 10-15% من مفرداتها هي مفردات مأخوذة من اللغة العربية و في السودان و بعد أن أدرك المستعمر تلك الحقيقة عمد إلى سن قانون المناطق المقفولة ليبعد الجنوبيين عن التأثر بالدين الإسلامي و الثقافة العربية و الإسلامية و قد تحقق له ما أراد حيث ساعدت تلك السياسة في توسيع هوة الخلافات الدينية و الثقافية و الإثنية بين شمال السودان و جنوبه حتى أفضى ذلك لانفصال الجنوب
كذلك و على الرغم من أن قارة إفريقيا تعتبر غنية بمواردها و ثرواتها الطبيعية إلا أن معظم شعوبها يكابدون المسغبة و يعيشون في فقر مدقع و المسلمون من بين شعوبها هم الأكثر معاناة و فقرا وقد استغل المبشرون هذه الحالة التي تعيش فيها تلك الشعوب لتنصير بعضها .
كما أن بعض أوجه القصور التي ظلت تلازم العمل الدعوي الإسلامي قد فاقمت الوضع ففي الوقت الذي نجد فيه أن المنصَرين قد ترجموا و طبعوا الإنجيل بأكثر من سبعمائة لغة و لهجة أفريقية نجد أنه لم يطبع من ترجمات معاني القرآن الكريم سوى بسبع لغات أفريقية حتى عام 1991 م فهذا الوضع يزيد من عظم المسئولية على عاتق دار مصحف إفريقيا التي ندبت نفسها لتوفير كتاب الله بالروايات السائدة بين الأفارقة فمن بين الروايات أو القراءات العشر المعروفة نجد أن أربعة منها هي الأكثر شيوعا بين الأفارقة و هي رواية حفص عن عاصم و رواية قالون وورش عن نافع و الدوري لكن الدار لوحدها قد لا تتمكن من تحقيق ذلك وهذا يحتم على كل مسلم غيور لدينه و ميسور الحال المساهمة بما في وسعه لدعم مسيرة الدار فكما أن هذه الدار قد رأت النور بجهد و أفكار الخيرين من أبناء هذه الأمة يمكنها أيضا بجهدهم و أفكارهم من مواصلة مسيرتها القاصدة حتى توفر مصحفا لكل أفريقي مسلم كما يمكنها توفير ترجمات معاني القرآن و الكتب الإسلامية الأخرى باللغات و اللهجات الأفريقية تحصينا للمسلمين الأفارقة من التنصير و التهويد الذي وفر له أعداء الإسلام كل ما يلزمه .
فضلا عن طباعة القرآن و ترجماته ، فإن الدار تفتح أبوابا للخير كثيرة للمسلمين ينال من يلجها الثواب الكثير من عند الله في يوم لا ينفع فيه مال و لا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم فهناك مصحف بر الوالدين الذي يعتبر عملا وقفيا و صدقة جارية للموقوف له فرسولنا صلى الله عليه وسلم يقول ” إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ” وفي رواية ابن ماجة قال صلى الله عليه وسلم ” إن مما يلحق بالمؤمن من عمله و حسناته بعد مونه : علما علمه و نشره ، وولدا صالحا تركه ، و مصحفا ورثه ، أو مسجدا بناه ، أو بيتا لابن سبيل بناه ” و هذه المصاحف تتم طباعتها بعد تحصيل قيمتها من الواقفين لموتاهم و يتم توزيعها على مسلمي إفريقيا كما أنها تقوم بطباعة مصاحف وقفية تاركة الخيار لواقفيها بأن يقوموا هم بتوزيعها أو يتركوا أمر توزيعها للدار كذلك هناك وقف لبناء مبنى تحتاجه الدار أو شراء ماكينة تعينها على عملها .
لذلك أرى أنه و نسبة لعظم المسئولية الملقاة على عاتق الدار ، قد أصبح واجبا على كل المقتدرين من المسلمين دعم هذه الدار حتى تواصل مسيرتها القاصدة بإذن الله
حول الكاتب